Ads 468x60px

الرؤيا التي رآها إبراهيم عليه السلام وتصديقه لها


قصة النبي إبراهيم وولده إسماعيل عليهما السلام، وكيف أن الرؤيا التي رآها إبراهيم عليه السلام وتصديقه لها أثرت إيجابياً عليه وعلى ولده وعلى المسلمين جميعاً
قصَّ الله تعالى علينا قصةَ نبيهِ إبراهيم عليه السلام في سورة الصافات، وبيّن أنّ إبراهيم عليه السلام دعا ربه فقال: (رَبِّ هَبْ لِي) ولداً يكون (مِنَ الصَّالِحِينَ) وذلك عندما أَيس مِن قومه، ولم ير فيهم خيراً، دعا اللّه أن يهب له غلاماً صالحاً، ينفعه اللّه به في حياته وبعد مماته.
فاستجاب اللّه له وقال: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) وهذا إسماعيل عليه السلام بلا شك، فإنه ذَكر بعده البشارةَ بإسحاق، ولأن اللّه تعالى قال في بشراه بإسحاق (فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) فدل على أن إسحاق غير إسماعيل الذبيح، ووصف اللّه إسماعيل، عليه السلام بالحلم، وهو يتضمن الصبر، وحسن الخلق، وسعة الصدر.
(فَلَمَّا بَلَغَ) الغلام (مَعَهُ السَّعْيَ) أدرك أن يسعى معه، وبلغ سناً يكون في الغالب، أحبَّ ما يكون لوالديه، قد ذهبتْ مشقته، وأقبلتْ منفعته، وتعلّق به قلب والديه، فقال له إبراهيم عليه السلام: (إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ) قد رأيتُ في النوم رؤيا – ورؤيا الأنبياء وحي من الله لا يتخللها الشيطان أبداً – رأيت أني أذبحك، (فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ) الابن البار إسماعيل صابراً محتسباً، مُرْضِياً لربه: (يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) امضِ لما أمرك اللّه، فقد تيقن النبيّ إبراهيم أن منامه وحي، وتيقن الولد الصالح أن منام أبيه وحي، لذلك قال: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) أخبر أباه أنه مروِّض نفسَه على الصبر، وقَرَن ذلك بمشيئة اللّه تعالى، لأنه لا يكون شيء بدون مشيئة اللّه تعالى.
(فَلَمَّا أَسْلَمَا) أي: إبراهيم وابنه إسماعيل، مُسلِّمان أمرهما إلى الله، وبخاصة إبراهيم سلّم أمره لله في فقدان ابنه وثمرة فؤاده، امتثالاً لأمر ربه، وخوفاً من عقابه، والابنُ قد وطَّن نفسه على الصبر، وهانت عليه نفسه في طاعة ربه، ورضا والده، وبدأ التسليم الفعلي لله (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) جَعل إبراهيمُ وجه إسماعيل على الأرض، وأضجعه على وجهه لئلا ينظر وقت الذبح إلى وجهه، وذَكرا الله تعالى راضِيَيْنِ مُسلمَين، هنا جاء الفرَج من الله: (وَنَادَيْنَاهُ) في تلك الحال: (أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا) قد فعلت ما أُمرت به في منامك، فإنك وطَّنتَ نفسك على ذلك، وفعلتَ كلَّ سبب، ولم يبق إلا إمرار السكين على حلقه (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) الصادقين في امتثال الأمر المخالفين للنفس والشيطان والهوى في سبيل الله (إِنَّ هَذَا) الذي امتحنا به إبراهيم عليه السلام (لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) الواضح، الذي تبين به صفاء إبراهيم، وكمال محبته لربه وخُلّته، فإن إسماعيل عليه السلام لَمّا وهبه اللّه لإبراهيم، أحبه حباً شديداً، وهو خليل الرحمن، وهو مَنْصِبٌ من أعلى وأرقى أنواع المحبة لا يقبل المشاركة ويقتضي أن تكون جميع أجزاء القلب متعلقة بالمحبوب سبحانه، فلما تعلقت شعبة من شعب قلبه بابنه إسماعيل، أراد تعالى أن يصفّي وُدَّه ويختبر خلته، فأمره أن يذبح من زاحم حبه حب ربه، فلما قدّم حب اللّهَ، وآثره على هواه، وعزم على ذبح هذا الهوى والمشاركة، وزال ما في القلب من المزاحم، بقي الذبح لا فائدة فيه، وصفا تَعلُّقُ القلب الشديد إلا مِن التعلق بالله، فلهذا قال: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) صار بدله ذبح من الغنم عظيم، ذبحه إبراهيم، فكان عظيما من جهة أنه كان فداء لإسماعيل، ومن جهة أنه من جملة العبادات الجليلة، ومن جهة أنه كان قربانا وسنة إلى يوم القيامة.
(وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) وأبقينا عليه ثناء صادقاً في الآخِرين، كما كان في الأوّلين، وبقي النبي إبراهيم محبوباً معظماً مُثنى عليه، حتى إننا نصلي ونُسلم في كل صلاة على النبي إبراهيم .. (سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) أي: تحيته عليه ورفعته وبركته (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) والإحسان هو الإتقان بل أعلى درجات الإتقان وهو الذي فعله إبراهيم، أتقن إسلامَه واستسلامَه لله حتى إنه استعدّ إلى ذبح ولده وحبيبه وفلذة كبده في سبيل إرضاء الله، فكانت النتيجةُ تفريجَ الله عليه وزوالَ كربه وفداءَ ولده وبقاءَ حياته، لأنّ المقصود ليس الذبح وإنما هو الاختبار لإسلام الإنسان الصادق الأمين الوفي الصابر المحب الخليل، ولما ثبت الصدق جاءت النصرة وتبين المقصود.
(إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) بما أمر اللّه بالإيمان به، الذين بلغ بهم الإيمان إلى درجة اليقين.
وبهذا الشرح لهذه الآيات يتبين أثر المنام في حياة الإنسان وكيف يختار الله تعالى جميع الوسائل ليختبر بعض عباده، ومن الوسائل المستخدمة في الامتحان: (المنامات الصادقة)، حيث إنّ النبي إبراهيم جاءه الاختبار عبر منام، وغيرُه من الأنبياء جاء اختبارهم عبر وسائل أخرى غير المنام .. مما يدل على أن (المنامات الصادقة) لها أهميتها وأثرها في الحياة وفي العلاقة مع الله وفي العلاقات الإنسانية والبشرية والأسرية. وهذا يرد على من يستخف في أمور الرؤى الصالحة ويجعلها كلها أضغاث أحلام .. وهو أسلوب خاطئ مجانب للصواب وللمنهجية العلمية القرآنية.


هناك تعليقان (2):

  1. مقال رائع جداً عن رؤية الإسلام في النظم المجتمعية..
    لا يفوتكم ⬇⬇

    https://noslih.com/article/من%20الفرد%20إلى%20الأمة..%20رؤية%20الإسلام%20في%20النظم%20المجتمعية

    ردحذف
  2. مقال رائع جداً عن رؤية الإسلام في النظم المجتمعية..
    لا يفوتكم ⬇⬇

    https://noslih.com/article/من%20الفرد%20إلى%20الأمة..%20رؤية%20الإسلام%20في%20النظم%20المجتمعية

    ردحذف